“قاتل غير مرئي”: نظفت بكين هواءها السام.. لماذا لا تستطيع نيودلهي ذلك؟

– استيقظ أكثر من 20 مليون شخص الأسبوع الماضي، على ضباب دخاني كثيف، ولاذع، وضار، خيّم بكثافة على أنحاء العاصمة الهندية. واضطرت المدارس الابتدائية إلى إغلاق أبوابها، ومُنعت المركبات من السير على الطرق، وتوقفت أعمال البناء، فيما غطّت سحابة رمادية ضبابية نيودلهي، ما أدّى إلى حجب المباني عن الأنظار، ودفع السكان إلى التهافت على شراء أجهزة تنقية الهواء.

وخلف الأبواب المغلقة، اجتمعت سلطات الولاية والمسؤولون الفيدراليون لوضع خطة من شأنها تنظيف هواء المدينة، بعدما تجاوز مؤشّر جودة الهواء (AQI) مستوى 500، وهو رقم مرتفع للغاية. لدرجة أنّ الخبراء يحذّرون من أنه قد يخفّض المدى العمري المتوقّع أكثر من عقد من الزمن لأولئك الذين يعيشون هناك.

لكن المشهد ليس بجديد.

في كل عام، تتحوّل سماء نيودلهي إلى اللون الأصفر المؤلم عينه، ما يدفع بالسلطات إلى التهافت من أجل القضاء على التلوث.

وفي كل عام، في هذا الوقت تقريبًا، تتمحور العناوين الرئيسية للأخبار حول هذه القضية، لتذكير سكان البلاد البالغ عددهم 1.4 مليار نسمة بأنّ موسم الضباب الدخاني قد عاد بقوة.

وفي كل عام، يسأل الناس: لماذا لم يتغير شيء؟

وقالت جيوتي باندي لافاكار، مؤلفة كتاب “التنفس هنا مضر بصحتك: الكلفة البشرية لتلوث الهواء”، والمؤسسة المشاركة لمنظمة “رعاية الهواء” النظيف غير الربحية :”إنه قاتل غير مرئي”.

وأضافت أنه لسوء الحظ، لا توجد إرادة سياسية لحل هذه المشكلة من أي طرف. ليس هناك حزب واحد اعترف بـ”أنّنا نتسبّب بتلوّث البلد بأكمله ودعونا نصلحه”.

قصة نجاح

إنّ سماء نيودلهي السامة الحالية تذكرنا بعاصمة آسيوية كبرى أخرى كانت قبل عقد من الزمان مشهورة بضبابها الدخاني الكثيف لدرجة حجب ناطحات سحاب بأكملها عن الأنظار: بكين.

ومنذ ذلك الحين، قامت العاصمة الصينية بإصلاح أدائها، الأمر الذي يطرح السؤال التالي: إذا كانت بكين قادرة على تنظيف هوائها السام، فلماذا لا تستطيع الهند ذلك أيضاً؟

New-Delhi-Air-Quality

وأظهرت الأبحاث أنّ مجموعة سياسات الهواء النظيف التي اتبعتها الصين كانت ناجحة للغاية، إذ أنقذت مئات آلاف من الأرواح.

ومع ذلك، حذّر التقرير من أنه لا يزال هناك الكثير من العمل الذي يتعيّن القيام به، وأنّ التلوث الجزيئي في بكين، الملوثات الصغيرة، لكن شديدة الخطورة التي يمكنها الهروب من الدفاعات المعتادة لجسم الإنسان، ما زالت أعلى بنسبة 40٪ ممّا هو عليه في المقاطعة الأكثر تلوثًا في الولايات المتحدة.

لكنّ البيانات تظهر أن الصين تسير على الطريق الصحيح. ويريد الكثيرون في الهند رؤية تقدم مماثل في بلادهم.

الهند لديها كل شيء لتغيير ما يحدث. وقال سونيل داهيا، من مركز أبحاث الطاقة والهواء النظيف (CREA) في نيودلهي: “لدينا العلم والتمويل، لكننا نفتقر إلى مقاربة قائمة على التخفيض”.

وقال إنه بالمقارنة مع الإجراءات الصارمة التي اتخذتها بكين والتي كانت تهدف إلى تحقيق النجاح على المدى الطويل، كانت إجراءات نيودلهي “رد فعل”.

وأضاف داهيا: “هذه ليست حلولاً”.

تقليديًا، في نهاية العام بعد موسم الحصاد الشتوي، يقوم ملايين المزارعين بإزالة بقايا الأرز اديهم من طريق إشعال النار في الحقول استعدادا لمحصول القمح المقبل. وقد أدى هذا، بالتوازي مع تلوث الناجم عن المركبات والتلوث الصناعي، إلى تكوّن كميات كبيرة من الضباب الدخاني في جميع أنحاء ولايات هاريانا، والبنجاب، وأوتار براديش، ونيودلهي، في شمال الهند.

ولا تزال عشرات ملايين الأسر الفقيرة في البلاد تعتمد أيضًا على الوقود الرخيص والضار لأغراض الطهي.

وعلى المستوى الوطني، أطلقت الهند برنامج الهواء النظيف في عام 2019، إيذانا بتطبيق استراتيجيات عبر 24 ولاية ومنطقة اتحادية لتقليل تركيز الجسيمات بنسبة 40٪ بحلول 2025-2026. وتشمل الخطط اتخاذ إجراءات صارمة ضد محطات الطاقة التي تعتمد على الفحم، وإنشاء أنظمة مراقبة الهواء، وحظر حرق الكتلة الحيوية.

شهدت بعض المدن الهندية تحسينات في نوعية الهواء، وفقا للبيانات الحكومية. لكن الخبراء يشيرون إلى أنّ الافتقار إلى التنفيذ والتنسيق الصارمين يعني أن التقدم كان بطيئا.

وللتعامل مع التلوث المستمر في نيودلهي، حاول المسؤولون رش المياه على الطرق، وتقييد حركة المرور من خلال مطالبة المركبات ذات اللوحات الفردية أو المزدوجة بالسير في أيام متناوبة، وبناء برجين من الضباب الدخاني عام 2018، بقيمة 200 مليون روبية (2.4 مليون دولار) الهدف منهما العمل كأجهزة تنقية هواء عملاقة.

وبحسب آي كيو إير، ظل متوسط ​​تركيز PM2.5 في نيودلهي (مقياس للملوثات في الهواء) بين لشهر نوفمبر/ تشرين الثاني (بدء موسم التلوث عادةً) عامي 2018 و2022، على حاله تقريبًا.

وفي شهر نوفمبر/تشرين الثاني وحده، ظلت نيودلهي على رأس قائمة IQ Air لأكثر المدن تلوثًا مدة خمسة أيام بالحد الأدنى. ولمعالجة هذه المشكلة، تخطط المدينة هذا العام لتحفيز هطول الأمطار لإزالة الغبار، وهي طريقة تبنتها دول آسيوية أخرى، ضمنًا الصين وإندونيسيا وماليزيا.

ومع ذلك، يقول العلماء إنه من غير الواضح مدى فعالية هذه الطريقة حقًا.

وخلص فرانك كريستيان هامس المدير التنفيذي العالمي لـIQAir: “هذه مجرد حلول مؤقتة”. “نحن بحاجة إلى معالجة القضايا الأساسية. وهذا يعني وقف حرق الكتلة الحيوية والتحول إلى الوقود النظيف.

عن admin

شاهد أيضاً

موسم الإنفلونزا وكورونا على الأبواب.. هل حان وقت اللقاحات؟

 بدأ موسم الفيروسات التنفسية يدّق الأبواب، حيث رأى مسؤولو الصحة أن شهر أكتوبر/ تشرين الأول، هو الوقت …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *