يمثل الهجوم الدامي الذي شنه حزب الله اللبناني على قاعدة عسكرية في عمق الأراضي الإسرائيلية، الأحد، صداعا كبيرا لإسرائيل التي تواصل جهودها من أجل نزع فتيل التهديد من الجماعة اللبنانية المسلحة المدعومة من إيران، على الرغم من قصفها في حملة كبيرة وشن عملية برية ضدها.
وتمكنت طائرة بدون طيار، انطلقت من جنوب لبنان، من اختراق الدفاعات الجوية الإسرائيلية دون أن يتم اكتشافها وضربت قاعدة لواء غولاني داخل إسرائيل على بعد حوالي 40 ميلا من الحدود.
وحدثت الضربة، الأحد بعد الساعة 7 مساء بقليل- وقت العشاء – وبينما لم يصدر الجيش أي تفاصيل حول موقع الضربة، فإن الصور من مكان الحادث توضح أن الطائرة بدون طيار ضربت قاعة الطعام في القاعدة.
ويشير كل من توقيت وموقع الضربة إلى أن حزب الله جمع معلومات استخباراتية كافية ويمتلك القدرات لتعظيم عدد الضحايا.
واللواء غولاني وحدة في سلاح المشاة، ويعتبر من الوحدات النخبوية وتم نشره في جنوب لبنان كجزء من العملية البرية هناك.
وقُتل 4 جنود، وأصيب أكثر من 60 آخرين، 8 منهم في حالة خطيرة، مما رفع العدد الإجمالي لجنود الجيش الإسرائيلي الذين قتلوا منذ بدء العملية البرية قبل أسبوعين إلى 18 على الأقل.
كما أن هجوم الأحد هو الهجوم الأكثر دموية على القوات داخل إسرائيل منذ بداية الحرب في أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
وقال الخبير الأمني الدولي في الجامعة العبرية في القدس، دانييل سوبلمان، إن ذلك يظهر أن حزب الله لا يزال قادرًا على توجيه الضربات.
وأضاف سوبلمان ، في إشارة إلى مقتل زعيم حزب الله حسن نصرالله وغيره من كبار المسؤولين: “هذا مؤشر واضح على أن حزب الله يستعيد توازنه الاستراتيجي بعد الضربات المدمرة الأخيرة التي تلقاها قيادته وأجهزة القيادة”.
وتعتبر أنظمة الدفاع الجوي الإسرائيلية مثيرة للإعجاب، حيث تعترض وتدمر معظم المقذوفات التي تطلق باتجاه البلاد لكنها صُممت وتطورت في المقام الأول لمواجهة الصواريخ والقذائف، وليس الطائرات بدون طيار التي يمكن إطلاقها من أي مكان، وتطير على ارتفاع منخفض وبطيئة، وتغير اتجاهاتها بسرعة.
وبينما لم يذكر الجيش الإسرائيلي نوع الطائرة التي استخدمت في هجوم الأحد، قال خبراء إنها على الأرجح طائرة بدون طيار من طراز مرصاد، وهو نوع معروف في إيران باسم طائرات “أبابيل”.
وقالت أورنا ميزراحي، من المعهد الإسرائيلي لدراسات الأمن القومي في تل أبيب، إن مثل هذه المركبات الجوية بدون طيار يصعب اكتشافها لأنها “صغيرة الحجم وخفيفة الوزن للغاية”.
وتابعت ميزراحي أن إيران وحلفاءها يسعون إلى التغلب على أنظمة الدفاع الإسرائيلية، مضيفة الطائرات بدون طيار إلى المعادلة بعد تحديدها على أنها “ضعف” لإسرائيل، وذكرت: “في كل مرة نجد فيها حلاً لشيء ما، يجدون طريقة أخرى للهجوم”.
ويتم تدريب الناس في إسرائيل جيدا عندما يتعلق الأمر بالهروب من الأخطار الجوية، حيث يتوجه معظمهم إلى الملاجئ المنتشرة في معظم الأنحاء أو يختبئون في خنادق كلما سمعوا صفارات الإنذار التي تشير إلى تهديد جوي وشيك.
ولكن الطائرة بدون طيار التي أرسلها حزب الله في نهاية الأسبوع تمكنت من التسلل دون تشغيل أنظمة الإنذار الإسرائيلية وتعرض الجنود في قاعة الطعام للهجوم دون أي تحذير.
ولم تكن هذه هي المرة الأولى التي يحدث فيها هذا.
ففي يونيو/حزيران، أصدر حزب الله مقطع فيديو مدته 9 دقائق تم تصويره بواسطة طائرة بدون طيار يظهر مواقع مدنية وعسكرية في وحول واحدة من أكبر مدن إسرائيل، حيفا، ويبدو أن هذه الطائرة بدون طيار لم يتم اكتشافها من قبل الجيش الإسرائيلي، وردا على الفيديو، قال رئيس الأركان الإسرائيلي هرتسي هاليفي بعدها إن الجيش “يستعد ويضع حلولا للتعامل مع هذه القدرات وغيرها”.
ثم في يوليو/تموز، قتلت طائرة بدون طيار أطلقها الحوثيون المدعومون من إيران من اليمن رجلا وأصابت ما لا يقل عن 10 آخرين في تل أبيب، ولم يتم تشغيل صفارات الإنذار خلال ذلك الهجوم.
وقال الجيش الإسرائيلي إن طائرتين بدون طيار أطلقتا وأنه في حين تم اعتراض إحداهما، لم يتم اعتراض الأخرى – بسبب ما قال إنه خطأ بشري.
ويبدو أن حزب الله كرر تكتيك إرسال طائرتين بدون طيار الأسبوع الماضي.
وقال الجيش الإسرائيلي إن طائرتين بدون طيار أطلقتا من لبنان الجمعة، مضيفا أنه اعترض إحداهما، لكنه لم يكشف عن ما حدث للأخرى.
وتضررت دار رعاية في مدينة هرتسليا الساحلية، وسط إسرائيل، في الهجوم، لكن لم ترد أنباء عن وقوع إصابات.
ومن المرجح جدا أن نفس الاستراتيجية تم تطبيقها الأحد، فقبل وقت قصير من التقارير الأولى عن الهجوم على قاعدة لواء غولاني، قال الجيش الإسرائيلي إنه اعترض طائرة بدون طيار أطلقت من لبنان في المنطقة البحرية الشمالية لإسرائيل.
وهذا يشير إلى أن الطائرة بدون طيار التي ضربت القاعدة كانت طائرة ثانية أطلقت إما في وقت واحد أو قبل أو بعد الطائرة الأولى بقليل.
ولم يعلق الجيش الإسرائيلي على عدد الطائرات بدون طيار التي أطلقت الأحد.
وقال حزب الله إنه أطلق عشرات الصواريخ باتجاه بلدتي نهاريا وعكا في شمال إسرائيل للاشتباك مع أنظمة الدفاع الجوي الإسرائيلية، في حين أطلق الطائرات بدون طيار في نفس الوقت.
معركة صعبة
لا يزال حزب الله قادرا على إطلاق النار على إسرائيل على الرغم من قيام الجيش الإسرائيلي بشن قصف جوي مكثف داخل لبنان بالإضافة إلى عملية برية محدودة تستهدف الجماعة.
وقُتل أكثر من 1500 شخص في لبنان منذ 16 سبتمبر/ أيلول، عندما صعدت إسرائيل حملتها ضد حزب الله، وفقًا لإحصاء تصريحات وزارة الصحة اللبنانية.
وعندما أطلق الجيش الإسرائيلي عمليته البرية ضد حزب الله في جنوب لبنان، أصر على أن أي عمل عبر الحدود سيكون “محدودا” من حيث النطاق الجغرافي والمدة ويهدف إلى تفكيك البنية التحتية العسكرية لحزب الله في المناطق الحدودية.
وتم إجلاء حوالي 60 ألف شخص من شمال إسرائيل منذ أن بدأ حزب الله في إطلاق الصواريخ على إسرائيل في 8 أكتوبر من العام الماضي دعما لحماس في غزة، والتي شنت هجمات قاتلة ضد إسرائيل في اليوم السابق.
لكن الواقع على الأرض يشير إلى أن إسرائيل ربما تستعد لاحتمال حرب أكبر بكثير، فقد نشرت إسرائيل وحدات من 4 فرق إلى جنوب لبنان وأمرت سكان ربع الأراضي اللبنانية بالإخلاء، ووفقاً للأمم المتحدة، فقد نزح أكثر من 1.2 مليون شخص الآن.
ولا يكشف الجيش الإسرائيلي عن أعداد قواته، ولكن من المعتقد أن كل فرقة تتألف من حوالي 10 إلى 20 ألف جندي.
ويقول المحللون في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية (CSIS) إن إسرائيل غزت لبنان آخر مرة في عام 2006، وأرسلت حوالي 30 ألف جندي.
وانتهت تلك الحرب في طريق مسدود بعد 34 يوما، بعد مقتل حوالي 1100 لبناني وحوالي 170 إسرائيليا، بما في ذلك 120 جنديا.
وقال مركز الدراسات إن العملية الجديدة على الأرض قد تتطلب قوة أكبر من عملية 2006 ومع ذلك، قد لا يكون ذلك كافيا.
وذكر سوبلمان أن “قدرة حزب الله على مواصلة حرب استنزاف، وتعطيل الحياة في معظم شمال إسرائيل، وفرض تكاليف مؤلمة عليها، تُظهر أنه يستعيد استقراره العملياتي”، وأضاف أنه في حروب العصابات، غالبا ما يكون ما يهم أكثر هو قدرة الطرف الأضعف على الاستمرار والقتال وإلحاق الخسائر بالجانب الآخر.
مع ارتفاع حصيلة قتلى الجيش الإسرائيلي في حربه على حزب الله، من الواضح أن الجماعة المسلحة عازمة على الاستمرار على الرغم من الضربات الجسيمة التي تعرضت لها.