تشكل مركبات البولي فلورو ألكيل، أو “PFAS”، ويطلق عليها اسم “المواد الكيميائية الأبدية” نسبة للمدة التي تبقى فيها بجسم الإنسان والبيئة، مصدر قلق صحي متزايد.
وهذه المواد الكيميائية المسببة لاختلال الهرمونات، موجودة في دماء نحو 98% من الأمريكيين، وتثير قلقًا كبيرًا لدرجة أنّه في يوليو/ تموز 2022، حدّدت الأكاديميات الوطنية للعلوم والهندسة والطب مستويات “النانوغرام” المثيرة للقلق، ودعت إلى اختبار الأفراد المعرّضين للخطر الشديد، ضمنًا الرُضّع وكبار السن.
لكنّ تبحث دراسة جديدة تجرى لأول مرة في وجود مركبات “PFAS” في المبيدات الحشرية المستخدمة في مكافحة الآفات الزراعية والسكنية، ضمنًا علاجات براغيث الحيوانات الأليفة.
وقالت ألكسيس تيمكين، المؤلفة المشاركة بالدراسة المنشورة في مجلة “Environmental Health Perspectives”، الأربعاء، وكبيرة علماء السموم ضمن مجموعة العمل البيئي (EWG)، وهي منظمة للدفاع عن البيئة والصحة، تأخذ من واشنطن العاصمة مقرًا لها: “هذه الدراسة الأولى في الولايات المتحدة التي تنظر بشكلٍ شامل بكيفية مساهمة المبيدات الحشرية في التلوث العالمي جراء PFAS”.
وأوضح ديفيد أندروز، المؤلف المشارك أيضًا، وعالم كبير ونائب مدير التحقيقات في مجموعة العمل البيئي، أنّ المواد الغذائية الأساسية مثل التفاح، والذرة، واللفت، والسبانخ، والفراولة، والقمح، تُرَش غالبًا بالمبيدات الحشرية التي تحتوي على مركبات “PFAS”.
وأشار أندروز إلى “استخدام هذه المبيدات الحشرية على عشرات الملايين من الحقول الزراعية في جميع أنحاء الولايات المتحدة بكميات كبيرة جدًا، وهي تساهم بالتلوث بالمواد الكيميائية الأبدية. فاستخدام هذه المبيدات الحشرية قد يفسر جزئيًا أيضًا بعض التلوث المجهول بـPFAS الذي رصده العلماء في مجارينا المائية”.
تُستخدم مبيدات الآفات التي تحتوي على “PFAS” في علاجات البراغيث للحيوانات الأليفة، وبخاخات قتل الحشرات في المنازل، وفقًا للبحث الذي أجراه العلماء في “EWG”، ومركز التنوع البيولوجي في توكسون، أريزونا، ومنظمة “Public Employees for Environmental Responsibility” في سيلفر سبرينغ، ماريلاند.
ولفتت الدكتورة جيمي ديويت، عالمة السموم البيئية، ومديرة مركز شمال غرب المحيط الهادئ لأبحاث الصحة البيئية الانتقالية في جامعة ولاية أوريغون، غير المُشارِكة في البحث، إلى أنّ “أحد المبيدات الحشرية المدرجة (في الورقة البحثية) كان فيبرونيل. والمادة موجودة في منتجات محددة للبراغيث/ القراد التي يمكن استخدامها على الحيوانات الأليفة! لم أكن أعلم أن هذا كان من مركبات PFAS”.
وعلّقت بأنّ هذه “الدراسة تقدم دليلًا تجريبيًا على مدى وجود PFAS في المبيدات الحشرية”.
الحاجة للمزيد من الرقابة
قالت ستيفاني إيك، عالمة الأوبئة البيئية، والإنجابية، والأستاذة المساعدة في جامعة إيموري بأتلانتا، غير المُشارِكة في الدراسة الجديدة، إنّه رغم وجود مركبات “PFAS”، إلا أنّ المواد الكيميائية لا تؤخذ بالاعتبار غالبًا في الجهود التنظيمية الفيدرالية لمبيدات الآفات، أو في التقييمات السمية للمبيدات الحشرية.
وأوضحت في تعليق رافق الدراسة أنّ “اللوائح المتعلقة بالمبيدات الحشرية قديمة وغير فعّالة حاليًا، لذا فإن اكتشاف وجود PFAS في تركيبات المبيدات الحشرية يمثل فرصة جديدة لوكالة حماية البيئة الأمريكية لتحسين الصلاحية العلمية لتقييم مخاطر المبيدات الحشرية من أجل مراجعة سيناريوهات التعرض في العالم الحقيقي بشكل أفضل”.
تلتزم وكالة حماية البيئة (EPA) بمعالجة مخاطر مركبات “PFAS”، ضمنًا تلك الناجمة عن المبيدات الحشرية، وتقوم بمراجعة التقرير الجديد حول هذه القضية.
وقامت الوكالة بالفعل بإزالة 12 من مكونات “PFAS” من صناعة المبيدات الحشرية في السنوات الأخيرة.
في حين أنّ عمال المزارع يواجهون أعلى المخاطر، إلا أنّ التعرض للمبيدات الحشرية أمر شائع، مع رصد مستويات يمكن اكتشافها من المبيدات الحشرية في دم أو بول أكثر من 90% من سكان الولايات المتحدة.
المواد الأبدية تطيل عمر المبيدات
تتم إضافة مركبات “PFAS” إلى المبيدات الحشرية لتعزيز فعاليتها واستقرارها، ما يسمح لها بالبقاء فعالة لفترات أطول من دون الحاجة إلى إعادة استخدامها.
تحتوي المبيدات الحشرية أيضًا على مكونات خاملة تعمل كحاملات للمكونات النشطة لكنها لا تقتل الآفات، بحسب راينر لومان، وهو أستاذ في جامعة رود آيلاند.
لا يتم الكشف دومًا عن هذه المكونات الخاملة على الملصقات. وكشف التحليل أن ثمانية مكونات خاملة معتمدة من وكالة حماية البيئة، ومنها التفلون، ُعتبر من مركبات “PFAS”.
واقترحت وكالة حماية البيئة في فبراير/شباط إزالة مادة التفلون من منتجات المبيدات الحشرية.
حاويات المبيدات الحشرية
مصدر آخر لمركبات “PFAS” يتمثّل بحاويات المبيدات الحشرية نفسها. ويتم إدخال غاز الفلور في حاويات بلاستيكية، وهو يتفاعل مع السطح لتحقيق استقرار أكبر، لكن هذه العملية يمكن أن تنتج منتجات ثانوية من مركبات “PFAS”، مثل “PFOA” و”PFOS” التي تم حظرهما.
تشير التقديرات إلى أن 20% إلى 30% من حاويات المبيدات الحشرية معالجة بالفلور، ما قد يؤدي إلى تسرب مركبات “PFAS” في محتوياتها.
وقال متحدث باسم وكالة حماية البيئة إنّه بعد التعلم لأول مرة في عام 2020 عن احتمال وجود تلوث بمركبات “PFAS” في حاويات المبيدات البلاستيكية المعالجة بالفلور، طورت وكالة حماية البيئة طرقًا جديدة للكشف عن هذه المواد الضارة عند مستويات منخفضة في حاويات ومنتجات المبيدات الحشرية.