ليس من غير المألوف أن نرى فرقاً معينة تظهر كحصان أسود أو مفاجأة في البطولات الدولية، لكن قليلين هم الذين توقعوا أن النمسا ستكون قصة يورو 2024.
وبدا أن النمسا، الّتي تمّ وضعها في المجموعة الرابعة إلى جانب بعض المنافسين الأقوياء، ستواجه صعوبة في الوصول إلى مراحل خروج المغلوب.
في المجموعة، كانت بولندا الّتي تمتلك واحداً من أكثر المهاجمين فتكاً على الإطلاق، روبرت ليفاندوفسكي، وهولندا المليئة بالمواهب، خاصة في خط الدفاع، وفرنسا، وصيفة كأس العالم 2022، والّتي يقودها النجم كيليان مبابي.
بعد الهزيمة القاسية والمخيبة للآمال أمام فرنسا بهدف، في الجولة الأولى، كان الأمر بمثابة صدمة عندما حققت النمسا انتصارين بنتيجة 1/3 و2/3 على بولندا وهولندا على التوالي لتتصدر سلم ترتيب المجموعة، وتتأهل إلى دور الـ16 في نهائيات كأس الأمم الأوروبية للمرة الثانية فقط.
أثار الفوز على هولندا، المنتخب المرصع بالنجوم، وهو الأول للنمسا منذ 34 عاماً، احتفالات صاخبة بين الفريق.
وقال لاعب النمسا، مارسيل سابيتزر، لموقع الاتحاد الأوروبي لكرة القدم (يويفا): “عندما تتغلب على هولندا وتتصدر المجموعة، لا يمكن أن تكون بهذا السوء”، فيما قال مدربه رالف رانغنيك: “أن ننهي الدور الأول في صدارة المجموعة، هذا أمر لا يصدق”.
أسلوب فريد من نوعه
في البطولات الكبرى، غالباً ما يتم التركيز على تحقيق نتيجة مهما كانت، كلّ نقطة لها أهميتها في مرحلة المجموعات، بينما يكون الأمر “الفوز أو العودة إلى الديار” في الأدوار الإقصائية، على الرغم من ذلك اختارت النمسا عقلية المخاطرة بشكل أكبر من حيث المحافظة على أساليب اللعب.
إن النهج النابض بالحياة والمفعم بالحيوية والّذي يتميز بالحركة المستمرة، جعل من النمسا أحد أكثر الفرق متعة للمشاهدة في البطولة.
قال اللاعب مارسيل سابيتزر: “كما ترى، حتّى عندما نتناوب، لا نضيّع أي شيء، الجميع يعرف ما يجب عليهم فعله في مراكزهم عندما يكونون على أرض الملعب”.
يمكن إرجاع تحول النمسا إلى تعيين رالف رانغنيك في عام 2022 في منصب المدرب، غالباً ما يُنسب إليه تطوير أسلوب الضغط العالي، وهو أسلوب في كرة القدم يتضمن الضغط المستمر على الخصم فور فقدان الكرة، وهذا ما يتبعه مدرب ليفربول السابق، يورغن كلوب، وجوليان ناغيلسمان، المدير الفني الحالي للمنتخب الألماني.
يمكن أن يكون هذا النهج مرهقاً بشكل لا يصدق ويترك فريق رالف رانغنيك ضعيفا دفاعياً، ولكنه قد يكون أمراً مرهقاً بالنسبة للمنافسين أيضاً، من حيث التعامل مع هذا الضغط، ويجعل المشاهدة أكثر إثارة.
سجّلت النمسا 6 أهداف في مبارياتها الثلاث بالمجموعة، ولم تتمكن منتخبات المجموعة الثالثة، إنجلترا والدنمارك وسلوفينيا وصربيا، من هزّ الشباك سوى 7 مرات خلال 6 مباريات فيما بينهم.
تأثير رالف رانغنيك
ربما كان الجانب الأكثر إلحاحاً في مشوار النمسا في يورو 2024 هو التذكير بقدرات رانغنيك كمدير فني.
يتمتع المدرب البالغ من العمر 66 عاماً بسيرة تدريبية واسعة النطاق، إذ تولى وظيفته الأولى في عام 1983.
كان لديه فترات مختلفة مع الأندية الألمانية مثل شتوتغارت وهانوفر وشالكه، لكنه اشتهر بعمله مع ريد بول سالزبورغ النمساوي وآر بي لايبزيغ الألماني، كما عُيّن مديراً رياضياً لكلا الناديين وحقق النجاح معهما.
بعد استقالته من منصبه مع ريد بول سالزبورغ في عام 2020، أمضى أربعة أشهر كمدير للرياضة والتطوير في فريق لوكوموتيف موسكو الروسي في عام 2021، قبل أن يُعرض عليه إحدى أكبر الوظائف على الإطلاق.
تمّ تعيين رالف رانغنيك مدرباً مؤقتاً لمانشستر يونايتد في نوفمبر/ تشرين الثاني 2021، بعد انفصال بطل الدوري الإنجليزي الممتاز (البريميرليغ) 13 مرة عن المدرب أوله غونار سولشار.
تمّ تكليف رانغنيك بمهمة تغيير حظوظ أحد أكبر الأندية في العالم، وتسليمه زمام الأمور حتّى نهاية الموسم، لكنه لم يتمكّن من غرس فلسفته الكروية بشكل كامل في لاعبيه، لتستمر معاناة الفريق، وحينها احتل الفريق المركز السادس في البريميرليغ، وكان من المقرر في البداية أن يبقى في دور استشاري في النادي، لكنه غادر أسوار مانشستر يونايتد بشكل نهائي في نهاية موسم 2022/2021.
كانت النتائج هشة في البداية عندما تمّ تعيينه مدرباً للنمسا، تحديداً في دوري الأمم الأوروبية، لكن سرعان ما انتعش المستوى وضمنت النمسا تأهلها إلى اليورو، بعد خسارة مباراة واحدة فقط في مراحل التصفيات.
بعد أن تغلّب على العاصفة في مجموعة صعبة ومباراة دور الـ16 على الأبواب، فإن سمعة رالف رانغنيك في طريقها إلى التعافي.
إلى أي مدى يمكن أن تذهب النمسا؟
من المقرر أن تواجه النمسا تركيا، الثلاثاء المقبل، إذ يتأهل الفائز إلى الدور ربع النهائي.
الفوز سيأخذ فريق رالف رانغنيك إلى منطقة مجهولة، إذ لم يسبق للفريق أن وصل إلى ما بعد دور الـ16، لكن المدرب يأخذ الأمور في الاعتبار، إلا أنه يعتقد أن الفوز باللقب أمر صعب للغاية.
وقال رالف رانغنيك: “لقد قلتُ منذ أشهر، لا أعتقد أنه من المحتمل جداً الفوز باليورو، إذا سألني شخص ما إذا كان بإمكاني استبعاد ذلك تماماً (استبعاد احتمالية الفوز باللقب)، فلا يزال الأمر غير مرجح جداً، اللاعبون يريدون الذهاب إلى أبعد مدى ممكن”.
سيحدد الوقت فقط ما إذا كانت النمسا قادرة على الفوز بأول بطولة كبرى لها على الإطلاق، لكن هذا الفريق قد غيّر بالفعل الوضع الراهن، وتبيّن أن بطولة يورو 2024 لا يمكن التنبؤ بها.