أظهر إحصاء أجرته للصفقات أن علاقات عائلة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب التجارية مع الشرق الأوسط تضاعفت بأكثر من 3 أضعاف منذ الولاية الأولى له، بما في ذلك سلسلة من المشاريع الجديدة التي أُعلن عنها منذ عودته إلى البيت الأبيض.
وفي خضم الخطط الجارية لبناء ناطحات سحاب فاخرة، ملاعب غولف، وصفقات عملات رقمية في المنطقة، يسافر دونالد ترامب إلى المملكة العربية السعودية وقطر والإمارات العربية المتحدة هذا الأسبوع، ليس فقط بصفته رئيسًا للولايات المتحدة، بل أيضًا بصفته رب عائلة تواصل إمبراطوريتها التجارية التوسع في ذلك الجزء من العالم.
وأثارت علاقاته المالية مع الشرق الأوسط مخاوف بين خبراء الأخلاقيات الحكومية، الذين يقولون إنه من الصعب تحديد ما إذا كان يتصرف بما يخدم مصلحة الولايات المتحدة أم مصلحة جيبه.
وقال روبرت وايزمان، الرئيس المشارك لمنظمة “بابليك سيتيزن”، وهي منظمة تدافع عن حقوق المستهلك: “عندما ينتخب الشعب الأمريكي رئيسًا، يتوقع منه أن يعمل لصالحه، لا أن يسعى للربح”.
ويرى وايزمان وهيئات رقابية أخرى أن هذه الروابط المالية تُتيح للقوى الأجنبية فرصةً للتأثير على سياسة الولايات المتحدة من خلال تلك الصفقات التجارية المربحة.
لكن ترامب انطلق بكامل قوته، مُتقبلًا على ما يبدو تداخل مصالحه الشخصية ومصالح الأمة الأمريكية، وأظهر ارتياحه لتعزيز المشاريع التجارية أثناء توليه منصبه، وفعل ذلك أمام الملأ، وحدد مساره بإطلاقه عملته الرقمية الخاصة قبل أيام من توليه منصبه، والتي ارتفعت قيمتها مباشرةً بعد أن دعا كبار مستثمريها إلى عشاء خاص الشهر الماضي.
وقال ترامب في فبراير/شباط في مؤتمر استضافته مجموعة أطلقها صندوق الثروة السيادية السعودي: “لطالما كانت لدي غريزة لكسب المال”، وخلال المؤتمر، روّج للولايات المتحدة كوجهة استثمارية واعدة، لكنه أشاد أيضًا بإنجازاته التجارية الشخصية.
وتتضمن مشاريع ترامب في الشرق الأوسط- التي أُعلن عن العديد منها ولكن لم تُطوَّر بعد- إلى حد كبير اتفاقيات ترخيص مع مطورين أجانب دخلوا في شراكة مع منظمة ترامب ودفعوا أموالًا لاستخدام اسم ترامب.
وقام رؤساء سابقون بتصفية أعمالهم أو وضعها في ما يُسمى بـ”الصناديق الاستئمانية العمياء” لتجنب ظهورهم بمظهر من يتصرفون بمصالحهم الشخصية أما ترامب، فقد اتخذ نهجًا مختلفًا، فأصوله موجودة في صندوق استئماني يديره أبناؤه، وصرّح ابنه إريك ترامب، نائب الرئيس التنفيذي لمنظمة ترامب، بأن الشركة ستكون معزولة عن مكتب الرئاسة لتجنب أي تضارب أخلاقي.
وفي حين تعهدت منظمة ترامب في يناير/ كانون الثاني بعدم إبرام أي صفقات جديدة مع حكومات أجنبية خلال فترة ولاية الرئيس الثانية، فإن صفقة أُعلن عنها مؤخرًا لملعب غولف يحمل علامة ترامب في قطر تشمل شركة مدعومة من صندوق الثروة السيادية القطري، شركة “الديار” القطرية.
وقال وزير البلدية في الحكومة القطرية الذي يرأس هذه الشركة عند الإعلان عن المشروع في وقت سابق من هذا الشهر: “من خلال هذا التعاون، نتطلع إلى تعزيز مكانة قطر كوجهة سياحية مفضلة“.
وذكر إريك ترامب في بيان صحفي أن مؤسسته “فخورة للغاية” بتوسيع علامة ترامب التجارية في قطر من خلال شركة الديار القطرية، وشركة عقارية أخرى تُدعى دار غلوبال.
وكان إريك ترامب صرّح لصحيفة “نيويورك تايمز” الشهر الماضي بأن دار غلوبال اشترت أرض ملعب الغولف من شركة الديار القطرية.
وصرح متحدث باسم مؤسسة ترامب بأن الشركة لا تربطها أي صلة أو شراكة أو ارتباط بالديار القطرية أو الحكومة القطرية، وأضاف أن اتفاقية الشركة لوضع العلامة التجارية على هذا المشروع هي مع دار غلوبال.
وقالت المتحدثة باسم المؤسسة، كيمبرلي بنزا: “لا تتعامل مؤسسة ترامب مع أي جهة حكومية“.
وسعى ترامب، الذي اشتهر بعبارته الشهيرة “أريد لأمريكا أن تفوز”، مرارًا وتكرارًا للحصول على دعم مالي من دول الخليج.
وتفاخرت إدارته بحصولها على التزام من الإمارات باستثمار 1.4 تريليون دولار في الولايات المتحدة على مدى عقد، وأعلنت السعودية في يناير عن خطط لتوسيع التجارة والاستثمار مع الولايات المتحدة بمقدار 600 مليار دولار على مدى أربع سنوات. وفي مارس/ آذار، دعا ترامب المملكة العربية السعودية إلى إنفاق تريليون دولار في الولايات المتحدة.
مع ذلك، يقول المنتقدون إن تصرفات ترامب وأعماله التجارية في الأشهر القليلة الأولى من ولايته الثانية تُظهر استعدادًا للاستفادة شخصيًا من الرئاسة، ويخشى البعض أن يكون مسؤولون أجانب قد ساعدوه على ذلك لتحقيق أجنداتهم الخاصة.
والجمعة، رفضت المتحدثة باسم للبيت الأبيض، كارولين ليفيت، خلال مؤتمر صحفي سؤالًا حول ما إذا كان ترامب سيعقد اجتماعات عمل شخصية خلال رحلته.
وقالت ليفيت: “من السخيف بصراحة أن يُشير أي شخص في هذه الغرفة إلى أن الرئيس ترامب يفعل أي شيء لمصلحته الشخصية، هذا البيت الأبيض يُلزمنا بأعلى المعايير الأخلاقية“.
“الإيمان بشعار ترامب”
وفور اقتحام حشد من أنصاره مبنى الكابيتول الأمريكي في 6 يناير/كانون الثاني 2021، عقب خسارته في الانتخابات، أصبح ترامب منبوذًا في أوساط مجتمع الأعمال الأمريكي.
وبعد أن لجأ إلى منتجعه مارالاغو، مُنع من استخدام بعض تطبيقات التواصل الاجتماعي، وتوقفت شركة برمجيات عن معالجة المدفوعات لموقع حملته الإلكتروني، ونأت شركات مالية بارزة بنفسها عن ذلك، حتى الفندق الذي يحمل اسم ترامب في العاصمة واشنطن كان شبه فارغ.
وقال إريك ترامب، ردًا على تلك التحركات بعد وقت قصير من أحداث الشغب في الكابيتول: “نعيش في عصر ثقافة الإلغاء”.
لكن بعض قادة الأعمال وقفوا إلى جانب ترامب، مثل أصدقائه في الشرق الأوسط، وقال حسين سجواني، رئيس شركة داماك العقارية، الشركة المطورة لملعب ترامب للغولف في دبي الذي افتُتح عام 2017، بعد أسبوع من أحداث 6 يناير: “أرحب بفرصة توسيع علاقتنا”.
وسرعان ما قدّمت كيانات في المنطقة فرصًا جديدة لعائلة ترامب.
وبعد أن ألغت رابطة محترفي الغولف (PGA) بطولتها في ملعب ترامب للغولف في نيوجيرسي، دخل ترامب في شراكة مع رابطة غولف الاحترافية الجديدة المدعومة من المملكة العربية السعودية (LIV Golf) التي تستضيف بعض بطولاتها في عقارات ترامب، بما في ذلك بطولة في إبريل.
وفي السنوات الأخيرة، استثمر صندوق الثروة السيادية السعودي، بقيادة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، المعروف باسم MBS، ملياري دولار في شركة استثمار خاصة أطلقها صهر ترامب جاريد كوشنر.
وتوطد علاقة شخصية وثيقة بين محمد بن سلمان وكوشنر الذي عمل مستشارًا لترامب خلال ولايته الأولى.
وعلى الرغم من أن كوشنر صرّح بأنه لن يعود إلى البيت الأبيض، إلا أن العديد من مسؤولي ترامب وأشخاص مقربين منه يقولون إنه كان يقدم المشورة بشكل غير رسمي للمسؤولين الأمريكيين بشأن المفاوضات مع القادة العرب، حسبما ذكر يوم الجمعة.
وفي سلطنة عُمان، دخلت الهيئة السياحية الحكومية في شراكة عام ٢٠٢٢ بشأن خطط لبناء منتجع يحمل علامة ترامب التجارية، إلى جانب فلل ونادي غولف، بالقرب من العاصمة مسقط.
وفي الصيف الماضي، احتفل إريك ترامب ودونالد ترامب الابن بإطلاق المشروع المشترك بتناول العشاء مع ولي عهد عُمان.
ورغم أن هذه الصفقات تحققت خلال فترة غياب ترامب عن منصبه، إلا أن توسع أعماله في المنطقة يبدو أنه قد شهد زخمًا كبيرًا بعد فوزه في الانتخابات في نوفمبر/ تشرين الثاني.
ومنذ ذلك الحين، روّجت شركة دار غلوبال، الشركة العقارية التي تُطوّر مشروع عُمان، بالإضافة إلى أبراج أخرى تحمل علامة ترامب التجارية، والتي أُعلن عنها قبل الانتخابات، لخطط لمشروعين إضافيين في العاصمة السعودية الرياض، ونادي الغولف في قطر.
وقد التزمت الشركة الأم لدار غلوبال، ومقرها الرياض، بدعم خطة ولي العهد الطموحة محمد بن سلمان لتحديث اقتصاد المملكة العربية السعودية.
وقال زياد الشعار، الرئيس التنفيذي لشركة دار غلوبال، في خطاب نُشر على الإنترنت هذا الشهر، مشيدًا بأحد المشاريع المخطط لها في دبي: “لا تتوقفوا عن الإيمان بعلامة ترامب التجارية”.
وفي نفس الفعالية، أشار إريك ترامب إلى أن مؤسسته أنجزت “العديد من المشاريع” مع دار غلوبال، وأضاف: “لن أفصح عن أي جديد، لكنني أعتقد أن هناك المزيد في المستقبل”، كما أشاد بشكل منفصل بدول الخليج لسياساتها التي تُشجع التنمية.
والأحد، كتب ترامب في منشور على منصة “تروث سوشيال” أن إدارته ستقبل طائرة لتحل محل طائرتها الرئاسية “كهدية مجانية”.
وقال شخصان مطلعان على الاتفاقية إن طائرة 747-8 كانت من العائلة المالكة القطرية.
ومع ذلك، قال مسؤول قطري إن الطائرة مُهداة تقنيًا من وزارة الدفاع القطرية إلى نظيرتها الأمريكية (البنتاغون)، التي ستقوم بتحديث الطائرة لاستخدام الرئيس بميزات أمنية.
وسيتم التبرع بالطائرة لمكتبة ترامب الرئاسية بعد مغادرته منصبه، وفقًا لما ذكره مصدر مطلع .
وأضاف ترامب أن الطائرة ستُخصص مباشرةً لمكتبته الرئاسية بعد مغادرته منصبه وقال: “لن أستخدمها”.
كما دعمت شركات في المنطقة شركة ترامب للعملات المشفرة، “وورلد ليبرتي فاينانشال”. وأعلنت شركة DWF Labs، ومقرها الإمارات العربية المتحدة، في إبريل/نيسان عن شراء رموز الشركة بقيمة 25 مليون دولار.
ووافقت شركة MGX، وهي شركة استثمار مدعومة من الإمارات، على استخدام عملة مشفرة أطلقتها الشركة مقابل استثمار بقيمة ملياري دولار في منصة تداول العملات المشفرة “بينانس”، وفقًا لإعلان من زاك ويتكوف، المؤسس المشارك لشركة “وورلد ليبرتي”، والذي يشغل والده منصب المبعوث الخاص لترامب إلى الشرق الأوسط.
ويشغل رئيس مجلس إدارة MGXمنصب نائب حاكم أبوظبي ومستشار الأمن القومي لدولة الإمارات العربية المتحدة.
ودفع هذا الإعلان من ويتكوف السيناتورين الديمقراطيين جيفري ميركلي وإليزابيث وارن إلى الضغط على مكتب أخلاقيات الحكومة للتحقيق في الصفقة، التي ذكرا أنها قد “تُعرّض حكومتنا لقدرٍ مُذهل من النفوذ الأجنبي واحتمالية وجود مُقايضة قد تُهدد الأمن القومي”، وفقًا لرسالة أرسلاها الأسبوع الماضي.
قال نوح بوكبايندر، رئيس منظمة “مواطنون من أجل المسؤولية والأخلاق” في واشنطن: “تسعى دول الخليج جاهدةً لتعزيز مكانتها العالمية، وكون رئيس الولايات المتحدة يمارس أعمالًا تجارية في بلادها ويزورها بصفة رسمية يُضفي احترامًا كبيرًا”.
وأضاف: “قد يكون هذا مكسبًا للجميع، سواءً لدول الخليج أو للرئيس وشركاته، لكن من غير الواضح ما إذا كان مكسبًا للشعب الأمريكي”.
وتابع: “هذه منطقة حساسة للغاية من العالم، حيث يتعين اتخاذ قرارات بالغة الأهمية بشأن أماكن نشر القوات العسكرية، وكيفية الانخراط في مفاوضات السلام، والاتفاقيات الاقتصادية”.
وقال: “نريد من الرئيس أن يتخذ قراراته بناءً على ما يخدم مصلحة الشعب الأمريكي… لا بناءً على ما سيكون أكثر فائدة لشركاته”.
“مخاطرة حقيقية”
عادةً ما يزور الرؤساء الأمريكيون أحد أقرب حلفاء بلادهم خلال أول رحلة خارجية رئيسية لهم، ومنذ الحرب العالمية الثانية، سافر معظم الرؤساء إلى المكسيك أو كندا أو المملكة المتحدة، وفقًا لوزارة الخارجية.
أما ترامب، فلم يقم بذلك، ففي 2017، سافر الرئيس الجديد إلى المملكة العربية السعودية حيث استُقبل بحفاوة بالغة، ثم وقّع صفقة أسلحة مع الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود.
ورغم سفر ترامب إلى إيطاليا لحضور جنازة البابا الشهر الماضي، فإن أول رحلة رئاسية رسمية له خلال ولايته الثانية كانت إلى السعودية.
للولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية تاريخ طويل من الدبلوماسية، يتمحور بشكل رئيسي حول مصلحة مشتركة: النفط. لكن علاقة ترامب بالسعودية كانت وثيقة بشكل خاص خلال ولايته الأولى، واستفادت المملكة، التي واجهت مزاعم بانتهاكات حقوق الإنسان، من ذلك.
وعندما قُتل الصحفي جمال خاشقجي – المعارض السعودي والمقيم في الولايات المتحدة – وقُطِّعت جثته في قنصلية سعودية في تركيا بعد انتقاده للمملكة، أفادت وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية أن ولي العهد هو من يقف وراء عملية الاغتيال.
وشكك ترامب في استنتاجات حكومته، ودعم بدلاً من ذلك محمد بن سلمان.
وكتب ترامب في بيان: “من المحتمل جدًا أن ولي العهد كان على علم بهذا الحدث المأساوي – ربما كان على علم وربما لم يكن”.
ونفى ولي العهد تورطه في مقتل خاشقجي.
وأشار بن فريمان، مدير برنامج السياسة الخارجية في معهد كوينسي للحكم الرشيد، إلى أن الجغرافيا السياسية في المنطقة معقدة للغاية، ولدى دول الخليج مجموعة من مواقف السياسة الخارجية التي لا تتوافق مع مواقف الولايات المتحدة.
وأضاف أن إبرام صفقات إضافية في المنطقة، حسب التفاصيل، قد يُشكل مخاطر على سمعة الولايات المتحدة، بل ويُقوض الأمن القومي.
وقال فريمان: “يبدو أن هناك علاقة تبادلية، حيث يستثمر النظام السعودي، على وجه الخصوص، في ترامب… والمملكة العربية السعودية هي الوجهة الأولى في أول رحلة رسمية له إلى الخارج، هناك خطر حقيقي يتمثل في أن المصالح الشخصية تتغلب على المصلحة الوطنية”.