انتهت الجولة الثانية من المفاوضات الجديدة حول سد النهضة بين مصر وإثيوبيا والسودان دون تقدم وفقا لبيان رسمي لوزارة الموارد المائية والري بمصر. وأرجع خبراء صعوبة التوصل إلى حلول إلى قصر المدة المحددة بـ4 أشهر فقط، مُطالبين بضرورة وجود اتفاق يلزم أديس أبابا بضمان الحفاظ على حصة مصر والسودان من المياه.
في 13 يوليو/ تموز الماضي، التقى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، مع رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، واتفقا على بدء مفاوضات عاجلة للانتهاء من الاتفاق بين مصر وإثيوبيا والسودان حول ملء سد النهضة وقواعد تشغيله خلال 4 شهور، مع تعهد إثيوبيا بعدم إلحاق ضرر مصر والسودان أثناء ملء السد خلال العام الهيدرولوجي 2023/2024، وفقًا لبيان للرئاسة المصرية.
وجرت الجولة الأولى من المفاوضات في القاهرة خلال يومي 27 و28 أغسطس/ آب الماضي، وعلّقت مصر، بأنها لم تشهد تغيرات ملموسة في مواقف الجانب الإثيوبي، مؤكدة استمرار المساعي للتوصل إلى اتفاق قانوني ملزم بشأن قواعد ملء وتشغيل سد النهضة.
وعقدت الجولة الثانية، خلال يومي السبت والأحد من هذا الأسبوع في أديس أبابا، وأكدت وزارة الري المصرية، أن الجولة التفاوضية المنتهية لم تسفر عن تحقيق تقدم يُذكر، حيث شهدت توجهاً إثيوبيًا للتراجع عن عدد من التوافقات التي سبق التوصل إليها بين الدول الثلاث في إطار العملية التفاوضية، مع الاستمرار في رفض الأخذ بأي من الحلول الوسط المطروحة وكذا الترتيبات الفنية المتفق عليها دوليا.
وأعرب أستاذ الجيولوجيا والموارد المائية بجامعة القاهرة، عباس شراقي، عن عدم تفاؤله بجولة المفاوضات الجديدة مع إثيوبيا، في ظل تعنت أديس أبابا خلال الجولتين الأولى والثانية من المفاوضات وعدم إبدائها أية مرونة إزاء التوصل لحل مرضي، مما كان يتطلب التحضير الجيد قبل إطلاق هذه الجولات لضمان تحقيق تقدمًا نسبيًا في المفاوضات، منها مشاركة أطراف دولية كمراقبين فعاليين، مشيرًا إلى مشاركة سابقة للاتحادين الإفريقي والأوروبي والبنك الدولي في المفاوضات ولكن دون تأثير فعال، ولكن غيابها هذه المرة يؤثر سلبًا على التوصل لحل.
وفي بيان رسمي لوزارة الري المصرية، أكد الوزير هاني سويلم ضرورة حشد الجهود ليتسنى التوصل للاتفاق المطلوب في المدة الزمنية المقررة، لا سيما مع الأخذ في الاعتبار وجود العديد من الحلول الفنية والقانونية التي تتيح إبرام اتفاق قانوني ملزم على قواعد ملء وتشغيل سد النهضة يراعي مصالح الدول الثلاث.
واقترح شراقي، في تصريحات خاصة ، أن تتمسك مصر هذه المرة بعرض ملف سد النهضة على مجلس الأمن في ظل المخاطر التي تواجهها من سد النهضة، سواء المتعلقة بحجم التخزين الضخم الذي يصل إلى 41 مليار متر مكعب، أو استكمال إثيوبيا الإجراءات المنفردة وزيادة حجم استيعاب السد ليصل إلى 74 مليار متر مكعب مما ينذر بكارثة حال تعرض السد لأية أخطار.
واستند في حديثه إلى ما حدث في مدينة درنة بليبيا بعد انهيار سدين لتخزين 28 مليون متر مكعب، الذي خلف ورائه آلاف القتلى والمصابين والخسائر المادية الفادحة في حين يخزن سد النهضة 41 مليار متر مكعب أي ما يعادل أكثر من 3 آلاف مرة حجم سدين درنة، خاصة أن إثيوبيا مُهددة بمخاطر عديدة لانهيار السد، أبرزها تعرضها للعديد من الفيضانات سنويًا، والنشاط الزلزالي التي قد تهدد سلامة جسم السد.
وفي كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، أكد وزير الخارجية المصري سامح شكري، رفض مصر أية إجراءات أحادية في إدارة الموارد المائية العابرة للحدود، التي يعد أحد أمثلتها سد النهضة الإثيوبي الذي بدأ إنشاؤه دون تشاور ودراسات وافية سابقة أو لاحقة للآثار على الدول المشاطئة، بل وتمادت إثيوبيا بالاستمرار في ملئه وتشغيله بشكل أحادي في خرق صريح لقواعد القانوني الدولي، بحسب بيان رسمي.
وأشار أستاذ الجيولوجيا والموارد المائية بجامعة القاهرة، إلى الحلول التي تقدمها مصر في المفاوضات مع إثيوبيا بشأن ملء سد النهضة وأهمها ربط كميات التخزين بالسد بحجم الأمطار التي تستقبلها إثيوبيا بشكل يوازن بين تشغيل سد النهضة في إثيوبيا والسد العالي في مصر، وعدم تخزين كميات ضخمة خلال فترة الجفاف مما يؤثر على حصة مصر من النهر.
ويرى شراقي أن التوصل لحل مرضٍ للأطراف الثلاثة يشترط مرونة الجانب الإثيوبي، وعدم التعامل مع سد النهضة وكأنه شأن داخلي؛ لأن تداعياته ستؤثر سلبًا على دول المصب وقد يهدد بإغراق أكثر من 150 مليون مواطن يعيشون في مصر والسودان، خاصة الأخيرة التي تنخفض عن منسوب السد بشكل قد يهدد بإغراقها وإحداث تأثير مدمر خلال ساعات حال تعرضه للانهيار، إضافة إلى عدم زراعة آلاف الأفدنة على النيل الأزرق في السودان خلال فترة ملء السد.
وحدد شراقي أبرز المطالب التي يرى ضرورة أن يتمسك بها الوفد المصري خلال المفاوضات، وهي أولًا يجب أن تشترط مصر تخفيض سعة سد النهضة أو على الأقل عدم ملء السد لأقصى سعة مستهدفة وهي 74 مليار متر مكعب. وثانيًا التوصل لاتفاق حول قواعد الملء والتخزين خاصة خلال سنوات الجفاف أو انخفاض في الأمطار، بشكل لا يؤثر على دول المصب، خاصة أن نهر النيل هو المصدر الوحيد للمياه في مصر. وثالثًا التوصل لآلية لحل أية خلافات مستقبلية حول السد، بحسب شراقي.
تعتمد مصر على نهر النيل في الحصول على المياه بنسبة 98%، وتعاني من ندرة المياه تصل إلى 50% من احتياجاتها المائية. وتأتي على رأس قائمة الدولة القاحلة فهي الأقل من حيث معدل هطول الأمطار بين دول العالم، وفقًا لبيان وزارة الخارجية.
من جانبه، قال أستاذ الموارد المائية بجامعة القاهرة، نادر نور الدين، إن المفاوضات بين مصر وإثيوبيا والسودان تجرى حول مدة الملء الخامس والسادس لبحيرة سد النهضة، بعد اتفاق الرئيس المصري مع رئيس الوزراء الإثيوبي خلال منتصف يوليو/ تموز الماضي على استئناف المفاوضات على ملء وتشغيل سد النهضة بعد إتمام الملء الرابع للسد، الذي وصل بحجم التخزين خلف السد إلى 42 مليار متر مكعب من إجمالي 74 مليار مستهدف الوصول إليها ببحيرة السد.
وأضاف أن مفاوضات الجولة الثانية بحثت مدة ملء الكمية المتبقية البالغة 32 مليار متر مكعب، موضحًا إما أنه سيتم تخزينها على مدار عامين أو 3 أعوام، إذ تتمسك مصر بالملء خلال 3 سنوات وفقًا للاتفاق السابق بأن يستغرق الملء الكامل للسد 7 سنوات، مرت منها 4 سنوات، في حين تعتزم إثيوبيا ملء السد خلال عامين، بعد إعلان وزارة الطاقة في أديس أبابا ملء 22 مليار متر مكعب من المياه خلال العام المقبل لتشغيل أكبر قدر من التوربينات، مما قد يؤثر على حصة مصر من المياه.
ويرى نادر نور الدين، في تصريحات خاصة أنه من الصعب التوصل لاتفاق مرضي خلال المدة المتفق عليها (4 شهور)، أي سيجتمع المفاوضون 4 مرات فقط، وهي مدة غير كافية للوصول لحل مناسب، لافتا إلى المحاولة السابقة للتوصل لحل بين نفس الأطراف في واشنطن يوميًا، وتم وقتها التوصل لحل مقترح قبل أن تنسحب إثيوبيا.
وأضاف أنه بجانب قصر المدة المتفق عليها للمفاوضات، مازالت إثيوبيا لا تريد اتفاقًا ملزمًا وتتمسك بأن تكون مجرد توصيات. وقال إن أديس أبابا مستمرة في اتخاذ قرارات منفردة بشأن سد النهضة وتراه شأن داخلي، إضافة إلى عدم موافقتها على تشغيل “توربينات” بالمعدلات العالمية حتى تخرج منها المياه إلى مصر والسودان بكميات ما كانت عليه قبل بناء السد للحفاظ على حصة البلدين.
وأكد نور الدين أن إثيوبيا لا تريد التوصل لحلول بشأن سد النهضة وتستهدف السيطرة على كل مياه النيل الأزرق، مدللًا على حديثه بإعلان وزارة الطاقة في أديس أبابا عزمها بدء العمل في بحيرة سد “كاردوبي”، وهو السد التالي للنهضة، التي تعتزم إقامته في عام 2027 لتخفيف حمل الأطماء والتي تصل إلى 130 مليون طن سنويًا مما قد يؤثر على كفاءة سد النهضة، مما يتطلب إنشاء سدود أخرى للتخفيف عن سد النهضة، ما سيؤدي إلى توتر التفاوض بين مصر وإثيوبيا.
وشدد نادر نور الدين على ضرورة أن يتم الاتفاق مع إثيوبيا على اتفاق ملزم بضمان حد أدنى من حصة المياه لمصر وإثيوبيا من النيل الأزرق، وثانيًا إخطار مصر والسودان مسبقًا بحجم التخزين المسبق سنويًا؛ لأن إثيوبيا ترفع الحد الأوسط للسد كل عام قبل موسم الأمطار خلال الفترة من أبريل/ نيسان إلى يونيو/ حزيران، وثالثًا أن تتعهد إثيوبيا بتشغيل كل التوربينات لضمان وصول الحصة السنوية لمصر والسودان دون انخفاض.