ابتكر العلماء روبوتات حية صغيرة من خلايا بشرية يمكنها التحرك في طبق المختبر، وربما بوسعها المساعدة مستقبلًا بشفاء الجروح أو الأنسجة التالفة، وفق دراسة جديدة نُشرت في مجلة العلوم المتقدمة، الخميس.
أطلق فريق من جامعة تافتس ومعهد ويس بجامعة هارفارد على هذه الاكتشافات اسم “الإنسان الآلي”. وانطلق البحث من عمل سابق شارك فيه بعض من العلماء المشاركين في هذه الدراسة الذين صنعوا أول روبوتات حية، أو “xenobots”، من خلايا جذعية مصدرها أجنة الضفدع الإفريقي المخالب (Xenopus laevis).
وقال مؤلف الدراسة مايكل ليفين، أستاذ علم الأحياء في جامعة فانيفار بوش بكلية تافتس للفنون والعلوم: “اعتَقد بعض الناس أن سمات xenobots تعتمد كثيرًا على حقيقة أنها جنينية وبرمائية”.
وتابع: “لا أعتقد أن لهذا علاقة بكونه جنينًا، أو ضفدعًا. أعتقد أن هذه خاصية عامة أكثر للكائنات الحية”، مضيفًا: “نحن لا ندرك كل الكفاءات التي تمتلكها خلايا الجسم لدينا”.
وأوضح ليفين أن الروبوتات أثناء وجودها على قيد الحياة لم تكن كائنات كاملة النمو لأنها لا تتمتع بدورة حياة كاملة، لافتًا إلى أن ذلك “يذكرنا بهذه الفئات الثنائية القاسية التي تعاملنا معها: هل هذا روبوت، هل هذا حيوان، هل هذه آلة؟ هذه الأنواع من الأمور لا تخدمنا جيدًا. نحن بحاجة إلى تجاوز ذلك”.
كيف صنعوها؟
استخدم العلماء خلايا بشرية بالغة من القصبة الهوائية لمتبرعين مجهولين من مختلف الأعمار والجنس. وقالت المؤلفة المشاركة في الدراسة جيزيم جوموسكايا، وطالبة دكتوراه في جامعة تافتس، إن الباحثين ركزوا على هذا النوع من الخلايا لأنه من السهل نسبيًا الوصول إليها بسبب العمل على فيروس كورونا وأمراض الرئة، والأهم من ذلك، بسبب الميزة التي يعتقد العلماء أنها تجعل الخلايا قادرة على الحركة.
وغُطيت خلايا القصبة الهوائية بنتوءات تُشبه الشعر تُسمى الأهداب، تموج ذهابًا وإيابًا. وهي تساعد عادةً خلايا القصبة الهوائية على دفع الجزيئات الصغيرة التي تجد طريقها إلى الممرات الهوائية في الرئتين. وقد أظهرت دراسات سابقة أيضًا أنّ الخلايا قد تشكل عضويات، وهي كتل من الخلايا تستخدم على نطاق واسع في الأبحاث.
أجرت جوموسكايا تجارب على التركيب الكيميائي لظروف نمو خلايا القصبة الهوائية، ووجدت طريقة لتشجيع الأهداب على التوجه نحو الخارج على الأعضاء العضوية. وبمجرد عثورها على المصفوفة الصحيحة، أصبحت العضيات متحركة بعد بضعة أيام، حيث تعمل الأهداب مثل المجاديف إلى حد ما.
وقالت: “لم يحدث شيء في اليوم الأول، أو الثاني، أو الرابع، أو الخامس، لكن كما تفعل البيولوجيا عادة، في اليوم السابع تقريبًا، كان هناك تحول سريع”.
وشرحت: “لقد كانت أشبه بزهرة متفتحة. بحلول اليوم السابع، انقلبت الأهداب وأصبحت في الخارج”.
وأشارت إلى أنه “بحسب الطريقة التي نعتمدها، ينمو كل إنسان آلي من خلية واحدة”.
هذا التجميع الذاتي هو ما يجعلها فريدة من نوعها. وقال ليفين إن الروبوتات البيولوجية صنعها علماء آخرون، لكن تم تصنيعها يدويًا عن طريق صنع قالب وخلايا بذر لتعيش فوقها.
أشكال وأحجام مختلفة
لم تكن الروبوتات التي أنشأها الفريق متطابقة. إذ كان بعضها كروي الشكل ومغطى بالكامل بالأهداب، فيما البعض الآخر على شكل كرة القدم ومغطى بالأهداب على نحو غير منتظم. لقد تحركت أيضًا بطرق مختلفة، بعضها في خطوط مستقيمة، والبعض الآخر في دوائر ضيقة، بينما جلست أخرى واهتزت، وفق بيان صحفي حول الدراسة. وبقيت على قيد الحياة لحدّ 60 يومًا في ظروف المختبر.
وأوضح ليفين وجوموسكايا أن التجارب الموضحة في هذه الدراسة الأخيرة لا تزال في مرحلة مبكرة، لكن الهدف كان معرفة إذا ثمة إمكانية لهذه الروبوتات أن يكون لها تطبيقات طبية. ولمعرفة ما إذا كانت مثل هذه التطبيقات ممكنة، فحص الباحثون قدرة الروبوتات على التحرك فوق الخلايا العصبية البشرية المزروعة في طبق المختبر الذي تم “خدشه” لتقليد الضرر.
وأشارت الدراسة إلى أن الباحثين فوجئوا برؤية الروبوتات تتكاثر في المنطقة المتضررة من الخلايا العصبية، رغم أنهم لم يفهموا بعد آلية الشفاء.
وقال فالك تاوبر، قائد المجموعة في مركز فرايبورغ للمواد التفاعلية والتقنيات الحيوية في جامعة فرايبورغ بألمانيا، إن الدراسة قدمت أساسًا للجهود المستقبلية لاستخدام الروبوتات الحيوية في وظائف مختلفة وصنعها في أشكال مختلفة.
وأشار تاوبر، غير المشارك في البحث، إلى أن الروبوتات أظهرت “سلوكًا مدهشًا”، لا سيما عندما تحركت عبر خدوش في الخلايا العصبية البشرية وأغلقتها في نهاية المطاف.
وأضاف أن القدرة على إنشاء هذه الهياكل من خلايا المريض نفسه تشير إلى تطبيقات متنوعة سواء في المختبر أو ربما على البشر.
وقال ليفين إنه لا يعتقد أن الروبوتات يترتب عليها أي مخاوف أخلاقية أو تتعلق بالسلامة، مضيفًا أنها ليست مصنوعة من أجنة بشرية، وموضحًا أن “لديهم بيئة مقيدة للغاية تنمو فيها، لذلك ليس هناك احتمال أن تخرج منها أو تعيش خارج المختبر”.
وخلص إلى أنه “لا يمكنها العيش خارج تلك البيئة المحددة للغاية. إنها تتمتع بفترة حياة طبيعية، لذا بعد بضعة أسابيع، تتحلل بيولوجيًا بسلاسة”.