نجحت رئاسة مؤتمر الأطراف (COP28) في دولة الإمارات العربية المتحدّة بتحقيق عدد من الإنجازات والقرارات البارزة خلال الأيام الأولى على انطلاقه، بما يمكن وصفه بداية قوية ومفعمة بالأمل، وخصوصًا في المجالات الرئيسية كالتمويل المناخي والتحوّل إلى الطاقة المتجدّدة.
على خلفية الإجماع التاريخي الذي تمّ التوصل إليه في اليوم الأوّل من مؤتمر الأطراف (COP28) القائم على تفعيل صندوق الخسائر والأضرار الجديد، أعلنت دولة الإمارات العربية المتحدّة مساهمتها بمبلغ 100 مليون دولار، ممّا حدد مسار إجمالي التعهدات التي وصلت الآن إلى أكثر من 700 مليون دولار.
لا شك أنّ كل مساهمة مالية سيكون لها أثرٌ كبيرٌ على المجتمعات الأكثر ضعفًا التي تُعاني من الخسائر والأضرار الناجمة عن تغيّر المناخ، إلا أنّ هذه التعهدات لا تزال بعيدة جداً عن تغطية احتياجات البلدان النامية التي توقّعت واحدة من الدراسات أن تصل خسائرها وأضرارها الناجمة عن الكوارث المناخية بحلول عام 2030 إلى 580 مليار دولار. لذلك، يجب أن يحمل القرار النهائي لمؤتمر الأطراف بنسخته الثامنة والعشرين (COP28) اعترافاً بمسؤولية الدول المتقدمة في قيادة مسألة توفير موارد الصندوق وضمان تجدده، مما يُؤمّن استدامته على المدى الطويل.
تفعيل صندوق الخسائر والأضرار بالكامل وتأمين استدامته، يُعتبر مسألة أساسية ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالعدالة المناخية – ومن المهم هنا أن يتم تقديم هذه الأموال على شكل منح، وليس على شكل قروض منعاً لزيادة الأعباء على البلدان التي تُعاني بالأصل من تحديات ومشاكل اقتصادية. نحن بحاجة إلى فرض ضرائب على شركات النفط والغاز التابعة للملوثين التاريخيين الأكثر مسؤولية عن تغيّر المناخ ليتم إلزامهم لدفع ثمن الأزمة التي تسبّبوا بها والتي أتاحت لهم جني المليارات على حساب الكوكب وصحتّه.
أمّا بالنسبة لمسألة الوقود الأحفوري، فلا نزال نحتاج إلى إحراز تقدمٍ ملموسٍ في هذا السياق. ورغم أنّ الدعوة المُشتركة لرئاسة مؤتمر الأطراف (COP28) ووكالة الطاقة الدولية (IEA) شكّلت خطوةً بالغة الأهمية ومهّدت الطريق نحو التخفيض التدريجي للوقود الأحفوري خلال هذا العقد بما لا يتخطّى عتبة 1.5 درجة مئوية، إلا أنّنا نحتاج إلى التزام بالتخلّص التدريجي العادل والكامل من كل أنواع الوقود الأحفوري.
لكن من اللافتُ للنظَر أن نشهد على إعلانٍ جريء إلى هذا الحد، والذي عمدت إليه رئاسة مؤتمر الأطراف التي تُعتبر دولة مُنتجة للوقود الأحفوري – وهي رسالة إلى كلّ العالم وإلى الدول الأخرى المنتجة للوقود الأحفوري، تماماً مثل المملكة العربية السعودية.
أما أن يأتي هذا الإعلان من دولة قائمة على الوقود الأحفوري الذي استفادت منه، فهذا الأمر له من دون شك ثمنه، ويُشكّل مثالاً واضحاً على اختيار وضع البشر والكوكب كأولويةٍ على جني الأرباح قصيرة المدى.
إذاً تُشكّل هذه الدعوة الواضحة للتخفيض التدريجي تشجيعاً حقيقياً لقادة العالم، وبخاصّة قادة الدول المتقدمة المشاركين في عملية التقييم العالمي ــ والتي تضم حتّى الآن مسودة اقتراح تتضمن التخلّص التدريجي من الوقود الأحفوري. نحن بحاجة إلى أن تجتمع الحكومات لدعم هذا الاقتراح إذا أردنا أن نرى انخفاضًا سريعًا وكافياً في الانبعاثات بحلول عام 2030، وبما يتماشى مع هدف 1.5 درجة مئوية.
من المُؤكد أنّ التركيز على التخفيض التدريجي خلال هذا العقد يُشكّل نقطة البداية فقط لما يتوّجب علينا القيام به. ومن المهم أن يُشكّل مقدمة لالتزامٍ شاملٍ أكثر- وهو التخلّص التدريجي العادل والكامل من كل أنواع الوقود الأحفوري بحلول منتصف القرن، بما في ذلك النفط والغاز والفحم. مع العلم أنّ التحرّك في هذا العقد تحديداً يُعتبر أمراً مهما جداً، ولا يمكن أن يكون طوعياً على الإطلاق. ومن غير الممكن أن يُفسح المجال لمشاريع نفط وغاز جديدة.
إذا استطعنا أن نصل إلى اتفاقٍ على هذا الهدف الطموح في نص قرار المؤتمر، فإنّ مؤتمر الأطراف COP28 سيكون شهادة حقيقية لقيادة دولة الإمارات العربية المتحدة وإنجاز تاريخي غير مسبوق في العمل المناخي العالمي.
في المقابل، كان هناك تقدماً على صعيد مجال الطاقة النظيفة، حيث وقّعت أكثر من 120 دولة تعهّدًا يهدف إلى مضاعفة قدرات الطاقات المتجددة في العالم ثلاث مرات ومضاعفة وتيرة كفاءة الطاقة بحلول عام 2030 – بما في ذلك ثمانية دول من منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا: الإمارات العربية المتحدة، لبنان، اليمن، تونس، المغرب، سوريا، عمان والأردن. مع العلم أنّ المملكة العربية السعودية كانت من أبرز الدول التي امتنعت عن التصويت، بالإضافة إلى الصين والهند.
لن نصل إلى المستقبل الذي يعمل بالطاقة الشمسية وطاقة الرياح بالسرعة الكافية، إلا من خلال المضي قدماً بمزيدٍ من التعاون والقيادة على الصعيدين الإقليمي والعالمي بين الدول العربية، وبخاصّة من قبل المملكة العربية السعودية، من أجل تحقيق التزام أكثر شمولاً – أي التخلّص التدريجي العادل والكامل من جميع أنواع الوقود الأحفوري، بما في ذلك النفط والغاز والفحم بحلول منتصف هذا القرن.
يجب على المملكة العربية السعودية والمجموعة العربية أن تبني على طموح الإمارات العربية المتحدة لجعل مؤتمر الأطراف هذا عالقًا في الذاكرة. ويجب على مؤتمر الأطراف (COP) أن يظهر للعالم أنه، هنا في دبي، حصل التزام تاريخي للتخلص التدريجي من الوقود الأحفوري. العالم يراقب وحان وقت العمل.