عظيم لبنان وشهيده رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري قال بعد فترة من نجاح المملكة العربية السعودية في التوسط لإيقاف الحرب الأهلية اللبنانية: “كل خطأ يمكن أن يغتفر، إلا أن يبقى لبنان كما هو، أسير الخراب… إن مقياس الوطنية هو العطاء والبناء وإزالة آثار الحرب من اللبنانيين ومناطقهم“.
قام الرئيس الحريري بترجمة كلماته إلى أفعال، وعمل على تنمية الاقتصاد ورفع مستوى المعيشة لكل اللبنانيين بلا استثناء، وأصبح لبنان في عهده مزدهرًا وآمنًا ومركزًا ثقافيًا وسياحيًا وماليًا رغم كل التحديات الداخلية والإقليمية، وتم تشبيهه بسويسرا الشرق الأوسط.
استمر ذلك حتى اغتالت أيادي الشر هذا الرجل العظيم، لأنه بنجاحاته كان يجذب الشعب اللبناني لرؤيته المدنية والتنموية والحضارية، وأيادي الشر كانت تريد تعزيز الطائفية والفساد والفوضى لكي تستمر في خدمة نفوذ دولة خارجية لا تريد للبنان وشعبه أي خير.
شعب لبنان يستحق الحياة الكريمة كباقي الشعوب، ولكن سنن الله الكونية تقول إن “فاقد الشيء لا يعطيه.” فكيف سيوفر لبنان حياة طيبة لمواطنيه إن كانت سيادته ليست بيده؟ للأسف، لبنان دولة لا تتمتع بكل مفاهيم السيادة، ينخرها الفساد في معظم مؤسساتها، ونخبها السياسية تستفيد من لبنان ولا تفيده، بل منهم من يقوضه وينهبه، والضحية هو المواطن والمواطنة اللبنانية. هيبة الدولة سقطت تمامًا أمام أعين شعبها والعالم، وكل ذلك بسبب وجود جسم ميليشياوي يتحكم في مصير الدولة كلها، وينهب خيراتها لصالح حزبه، ويقوض أمنها بمغامراته التي لا تتوقف.
لقد أصبح واضحًا لكل من في الداخل والخارج أن لبنان لا يمكن أن يتعافى ما دام حزب الله يحتفظ بسلاحه. السلاح الموجه نظريًا لإسرائيل أصبح سلاحًا موجهًا للداخل اللبناني، يُستخدم لترهيب المعارضين السياسيين وضمان استمرار الهيمنة على مقدرات الدولة. حزب الله لا يمثل مجرد حزب سياسي، بل هو ميليشيا مسلحة تابعة لدولة خارجية تسعى إلى استخدام لبنان كساحة نفوذ لخدمة مصالحها. علمًا بأن النظام الإيراني لا يسمح لحزب الله أن يستخدم الترسانة الاستراتيجية المؤثرة لديه ضد إسرائيل، إلا إذا قامت حرب مفتوحة بين إيران وإسرائيل، وهذا دليل آخر على أن سلاح حزب الله ليس لحماية لبنان، بل لحماية طهران.
اليوم، لا خيار أمام الشعب اللبناني سوى أن يتحرك وبشجاعة ليضغط على قياداته السياسية. فلبنان لن يعود دولة طبيعية إلا إذا تم السيطرة على السلاح خارج إطار الدولة. هذا السلاح أصبح أكبر تهديد على وحدة لبنان وسيادته واستقراره. الضغط الشعبي يجب أن يكون قويًا ومستمرًا، وأن يدفع حزب الله إلى التحول إلى حزب سياسي طبيعي دون سلاح. لا يمكن أن يبقى لبنان رهينة في يد ميليشيا خارجة عن القانون تعمل لحساب أجندة خارجية، بينما الشعب اللبناني يعيش في حالة انهيار اقتصادي واجتماعي غير مسبوقة، بالإضافة إلى حرب مفتوحة مع إسرائيل لا أحد يعلم متى ستتوقف وإلى ماذا ستفضي.
علمًا بأن ممارسات ميليشيا حزب الله داخل لبنان وخارجه تسببت بشكل رئيسي في انخفاض الناتج القومي لدولة لبنان من 50 مليار دولار إلى حوالي 20 مليار دولار. الدول حول العالم تفكر في النمو الاقتصادي، ولبنان من هاوية اقتصادية إلى أخرى.
المجتمع الدولي يراقب، وهو مستعد لدعم اللبنانيين في جهودهم نحو التغيير، لكن هذا الدعم لن يكون فعّالًا إلا إذا رأى أن اللبنانيين أنفسهم جادون ومستعدون لتحمل المسؤولية. إنهم بحاجة إلى إرسال رسالة واضحة بأنهم لن يقبلوا بعد الآن بأن يكون لبنان دولة شبه مستقلة تُدار من قِبل ميليشيا تدين بالولاء للخارج.
الدول الكبرى لديها مصالح حقيقية في استقرار لبنان وازدهاره، وستكون مستعدة لتقديم الدعم الاقتصادي والسياسي إذا رأت أن الشعب اللبناني متحد ومصمم على إنهاء سيطرة السلاح غير الشرعي وبناء دولة حقيقية ومتماسكة. هذا الدعم الدولي سيكون حاسمًا في إعادة بناء لبنان اقتصاديًا وسياسيًا، ولكن المفتاح الحقيقي هو إرادة اللبنانيين أنفسهم في التحرك الشجاع واستعادة سيادتهم. نجاح نهوض الدولة اللبنانية المستقلة من الأجندة الخارجية هو أفضل انتقام لكل من ساهم في اختطاف قرار وسيادة لبنان وتسليمه لإيران، وهو أيضا أفضل انتقام لاغتيال الشهيد رفيق الحريري.