استمرت، الأربعاء، المظاهرات النادرة في مدينة السويداء جنوب غربي سوريا لليوم الحادي عشر، وهي منطقة تسكنها أغلبية من الأقلية الدرزية، حيث يحتج السكان على سوء الأوضاع المعيشية وطالبوا بتغيير النظام.
ولم تُظهر الاحتجاجات، التي تجري في المناطق التي يحكمها نظام الرئيس بشار الأسد، أي علامات على التراجع حتى الآن.
وعلى غير العادة، امتنعت قوات الأمن عن اتخاذ إجراءات صارمة مع خروج مئات الأشخاص إلى الشوارع، بحسب مقاطع فيديو منتشرة على وسائل التواصل الاجتماعي ومراقبين وتقارير محلية.
وتُظهر الاضطرابات أن الاستياء من الأسد لا يزال عاليا وهو يحاول إنهاء عزلته الدولية، حتى في أجزاء من البلاد التي لم تعارضه بشكل مباشر طوال حربها الأهلية الطويلة.
ووفقا للمجموعة الدولية لحقوق الأقليات، فإن الدروز هم ثالث أكبر أقلية دينية في سوريا، حيث يشكلون 3% إلى 4% من سكان البلاد.
وفي حين اختار بعض الدروز الانضمام إلى أي من جانبي الصراع المدني، تجنب معظمهم القيام بذلك، ورفض العديد منهم الالتحاق بجيش الأسد.
وقال تشارلز ليستر، مدير برنامج سوريا في معهد الشرق الأوسط في واشنطن، إن الاحتجاجات “تأتي في وقت ديناميكي بشكل خاص، وتؤكد مدى ضعف حكم الأسد وعدم استمراره”، وأضاف أنه بينما اعتمد الأسد لسنوات على دعم أو حياد الأقليات السورية، فإن حقيقة أن دروز السويداء يقودون حركة الاحتجاج تشير الآن إلى “تهديد حاد” للنظام.
وبعد أن ظل معزولا لأكثر من عقد من الزمن منذ أن تحولت انتفاضات الربيع العربي عام 2011 إلى حرب أهلية دامية بين نظامه والمتمردين الذين سعوا إلى الإطاحة به، استعاد الأسد في نهاية المطاف السيطرة على معظم أنحاء البلاد بمساعدة حليفتيه روسيا وإيران، مع وجود القطاع الذي لا يزال تحت سيطرة قوات المتمردين في شمال البلاد.
وقالت الأمم المتحدة إن أكثر من 300 ألف مدني قتلوا منذ اندلاع الصراع، أي حوالي 1.5% من سكان سوريا قبل الحرب، وتم تهجير ملايين آخرين.
وعلى الرغم من الجهود المبذولة لمحاسبة الأسد على الخسائر، فقد تم الترحيب بعودته إلى الجامعة العربية في مايو/أيار في خطوة عارضتها الدول الغربية والعديد من اللاجئين الذين فروا من الاضطهاد في ظل حكمه.
وقال ليستر : “بعد مرور 4 أشهر، لا يمكن القول إلا أن إعادة الارتباط الإقليمي مع النظام قد زعزعت استقرار سوريا، وأدت إلى تدهور كبير في الظروف المعيشية لمن هم داخل البلاد”.
ومع ذلك، يأمل “الرجل القوي” بشار الأسد أن تؤدي إعادة قبوله في جامعة الدول العربية إلى فتح الأبواب أمام المجتمع الدولي، وحتى رفع العقوبات الغربية الخانقة.
وفي مقاطع الفيديو التي تم تداولها على وسائل التواصل الاجتماعي، شوهد المتظاهرون وهم يلوحون بالعلم الدرزي ويهتفون “عاشت سوريا ويسقط بشار الأسد”.
وقال ريان معروف، محرر موقع “السويداء 24” الإخباري المحلي، إن المظاهرات في الأيام الأخيرة امتدت إلى عدة قرى في محافظة السويداء واجتذبت مئات الأشخاص.
وأضاف معروف أنه بينما تتركز الاحتجاجات الكبرى حول ساحة السير في مدينة السويداء، تتوزع احتجاجات أخرى أصغر في أنحاء المحافظة، وذكر: “إنهم يطالبون بالحريات وبتغيير النظام”.
وتابع أن المتظاهرين في الأيام الأخيرة أغلقوا أيضًا مقر حزب البعث الحاكم، الذي وصل إلى السلطة في سوريا عبر انقلاب عام 1963، والذي يرأسه الأسد حاليا.
وأظهرت مقاطع فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي أيضا احتجاجات الأسبوع الماضي في مدينة جرمانا الجنوبية، على بعد 12 كيلومترا فقط (7.5 ميلا) من العاصمة دمشق.
وقال معروف: “كانت هذه هي المرة الأولى التي نشهد فيها احتجاجات في جرمانا، التي كانت معروفة دائما بأنها مدينة داعمة للنظام في عام 2011″، مضيفا أنه كانت هناك أيضا احتجاجات في المناطق التي يسيطر عليها المتمردون مثل إدلب وحلب.
وبدأ سكان المدن الساحلية التي تسكنها الأقلية العلوية التي ينتمي إليها الأسد، والتي دعمت الرئيس ووالده حافظ منذ السبعينيات، في انتقاد النظام على وسائل التواصل الاجتماعي، بحسب معروف ومنشورات وسائل التواصل الاجتماعي.
وضع اقتصادي سيء
وعلى الرغم من إعادة سوريا إلى جامعة الدول العربية، إلا أن اقتصادها استمر في السقوط الحر.
وقال المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سوريا، غير بيدرسن، لمجلس الأمن الدولي، الأسبوع الماضي، إن أحدث مؤشر على معاناة البلاد هو “حدوث مزيد من الانهيار الاقتصادي”، وأضاف: “الوضع الاقتصادي السيئ للغاية أصبح أسوأ” مع تأثر كل مجتمع في البلاد، مضيفا أنه في غضون 3 أشهر تقريبا، فقدت الليرة السورية أكثر من 80٪ من قيمتها.
وتابع المبعوث أن أسعار السلع الأساسية، بما في ذلك الغذاء والدواء والوقود والسلع الأساسية الأخرى، “تخرج عن نطاق السيطرة”، وبينما اتخذت الحكومة تدابير لمضاعفة الحد الأدنى للرواتب الحكومية، إلا أنها ليست كافية لمعالجة الظروف الصعبة الحالية.
وألقى الأسد مرارا وتكرارا باللوم على العقوبات الغربية في الانهيار الاقتصادي، وفي مقابلة مع سكاي نيوز عربية هذا الشهر، أصر على أن الحرب كانت “مؤامرة أجنبية” ضد بلاده، مضيفا أنه “لم تكن هناك معارضة داخلية كبيرة” لحكمه، ولم يُظهر أي ندم على السياسات التي أدت إلى الحرب وما تلاها من دمار وخسارة في الأرواح البشرية، وقال: “إذا رجعنا بالزمن إلى الوراء فسنتبني نفس السياسة”، لكنه أقر بأن الظروف المعيشية للسوريين “لا تزال مزرية”، وقال: “كيف يمكن للاجئ أن يعود بلا ماء وكهرباء ومدارس لأولاده ولا علاج؟ هذه هي أساسيات الحياة”.
قوات أمنية “مقيدة”
في حين أن مدينة السويداء شهدت قتالا أقل حدة خلال الحرب الأهلية، فقد أصبحت هدفا لسلسلة من الهجمات المنسقة التي شنها مسلحو تنظيم “داعش” ضد الدروز في عام 2018.
وأدى الهجوم إلى مقتل أكثر من 200 شخص، وأدى إلى زيادة التوترات بين سكان السويداء والحكومة الدرزية لفشلها في حمايتهم.
ومع ذلك، فإن احتجاجات اليوم غير عادية، ويرجع ذلك أساسا إلى ضبط النظام لاستخدام العنف.
وفي العام الماضي، عندما اقتحم متظاهرون في نفس المدينة مكتب المحافظ خلال احتجاجات على الأوضاع الاقتصادية، اندلعت اشتباكات مع قوات الأمن وأدى تبادل لإطلاق النار إلى مقتل شخصين.
وقال معروف: “يبدو أن قوات الأمن تحاول احتواء الأمور دون إثارة اشتباكات، وهذا واضح للغاية من الطريقة التي تتصرف بها السلطات، على الأقل حتى الآن”، وأضاف: “النظام السوري يدرك اليوم أن أي رد فعل عنيف على المتظاهرين سيؤدي إلى دوامة من العنف غير المسبوق في السويداء”.
وذكر ليستر من معهد الشرق الأوسط أنه “في حين أن الأسد يتصرف بضبط النفس حتى الآن، فإن التهديد بالعنف لا يزال قائما، خاصة إذا انتشرت الاحتجاجات”.
وقال إن “هذا انعكاس للتحدي الذي يطرحه الأمر أكثر من أي تغيير في العقلية، إذا انتشرت الاحتجاجات بشكل أعمق في مناطق النظام، فإن فرص اللجوء إلى القمع العنيف ستزداد”.
كل الأنظار تتجه نحو تحركات الأسد المقبلة، وقد تلقى الرئيس السوري دعوة من دولة الإمارات العربية المتحدة، البلد المضيف لمؤتمر الأطراف الثامن والعشرين (كوب 28)، لحضور قمة الأمم المتحدة للمناخ هذا العام، والتي ستعقد في 30 نوفمبر/ تشرين الثاني في دبي، وإذا حضر الأسد، فسيكون هذا أول ظهور له على المسرح العالمي منذ بداية الحرب الأهلية في عام 2011.
وقال ليستر: “بالنسبة لأولئك الذين ظلوا يتشككون بشدة في التطبيع، فإن كل ما يحدث الآن هو دليل إضافي على ما كان ينبغي أن يكون واضحا طوال الوقت: الأسد ليس هو الحل للفوضى والمعاناة في سوريا، بل هو السبب”.