غالبًا ما يُشار إلى الغرافين بـ”المادة المعجزة”، لأنّه أرق من شعرة الإنسان الواحدة بمليون مرة، وأقوى من الفولاذ.
وتُعتبر مادة الكربون ثنائية البعد، المصنوعة من طبقات مفردة من الغرافيت، المادة المستخرجة من الأرض، خفيفة الوزن للغاية، وموصلة للحرارة، ومرنة. كما تتمتّع بالقدرة على تقديم تقنيات تحويلية عبر الصناعات، من الإلكترونيات إلى النقل.
ويستكشف الباحثون في جامعة خليفة بدولة الإمارات العربية المتحدة حاليًا، استخدامًا آخر للغرافين، لإنتاج مياه الشرب.
وقال حسن عرفات، المدير المسؤول عن مركز أبحاث وابتكار الغرافين والمواد ثنائية البعد “RIC2D” في الجامعة: “هنا في دولة الإمارات العربية المتحدة، المياه الصالحة للشرب لدينا هي في الواقع مياه محلاة، لذا فهذا قطاع بالغ الأهمية للاقتصاد والمجتمع على حد سواء”.
ويعتمد قوام عملية تحلية المياه على إزالة الملح من مياه البحر، وتنظيف المياه لجعلها صالحة للشرب. ولا يقتصر الأمر على أهمية المياه المحلاة في دولة الإمارات العربية المتحدة فحسب، إذ يعتمد أكثر من 300 مليون شخص على مستوى العالم على المياه المحلاة. وبالتوازي مع تغير المناخ والتلوث، فإن هذا العدد سوف يرتفع.
لكنّ، تُعتبر تحلية المياه عملية مكلفة وتستهلك الكثير من الطاقة.
وهنا يأتي دور الغرافين، حيث يعمل عرفات على غشاء معزّز بالغرافين قد يجعل العملية أكثر كفاءة وأقل تكلفة.
وأوضح عرفات: “شهدنا هذا العام عددًا هائلاً من الكوارث بسبب تغير المناخ”، مضيفًا أنّ “نقص المياه يُعتبر مشكلة عالمية، ويزداد سوءًا يومًا بعد آخر. ومعرفة أننا نساهم في حل هذه المشاكل أمر مُرضٍ للغاية”.
حلول تحلية المياه
تأسّس مركز الأبحاث “RIC2D” بجامعة خليفة في عام 2022، باستثمارات من حكومة أبوظبي، لمواصلة البحث في ابتكارات الغرافين وإنتاجه.
وبينما أن دور عرفات كمدير مسؤول يكسبه نظرة عامة على العديد من المشاريع، فإن أبحاثه تتركز على المياه.
وقال عرفات إن الغرافين يمكن أن يطيل عمر الغشاء من خلال منع “القاذورات”، وهو ما يحدث عندما تتراكم البكتيريا على المرشح وتؤدي إلى تدهور الجودة. وأضاف أنّ استخدام الغرافين “لتعزيز أداء” المرشحات يمكن أن يساعد على تقليل استخدام الطاقة وخفض تكاليف تحلية المياه”، لافتًا إلى أنه “حتى بكميات صغيرة، تعمل مواد الغرافين هذه على تحسين أداء الأغشية بشكل كبير من حيث إنتاج الماء”.
وأشار عرفات إلى أنّ الأغشية في مرحلة التطوير حاليًا، وسيتم إنتاجها وتوسيع نطاقها خلال العام المقبل في جامعة مانشستر بالمملكة المتحدة، شريكة مركز “RIC2D” في أبحاث الغرافين. وبعد ذلك سيتم اختبار الأغشية في محطة تحلية المياه.
لا يُعتبر عرفات الوحيد الذي يبحث في الغرافين كحل لتحلية المياه، إذ تعمل شركات ناشئة مثل “Watercycle Technologies” على تطوير أغشية معززة بالغرافين لإزالة معادن معينة من الماء، بينما تركّز شركة “Molymem” على إزالة الصبغة، لكن عرفات يدعي أنّ الغشاء الذي يطوّره مركز RIC2D “يتفوق” على مرشحات مياه مماثلة في الأدبيات الأكاديمية الحديثة، كما تسمح الشراكة مع جامعة مانشستر بتوسيع نطاق تكنولوجيا الاختبارات الصناعية.
يستكشف “RIC2D” أيضًا تطبيقات أخرى للغرافين مثل مواد البناء المستدامة، مع إمكانية تقليل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، وحلول الطاقة الهيدروجينية المتجددة.
صناعة الغرافين من الميثان
رغم إمكاناته التحويلية، فقد ثَبُت أّن إنتاج الغرافين على نطاق واسع أمر صعب ومكلف.
وتتمثّل إحدى طرق تحقيق ذلك في إزالة طبقات مفردة من الغرافيت، ما يؤدي إلى تقييد أثره على حلول السوق الشامل. ولكن، يسعى الباحثون في “RIC2D” إلى إيجاد طرق لخفض التكاليف والوقت “من دون المساس بالجودة”، وفقًا لما ذكره عرفات.
تستخدم طريقة إنتاج أخرى كيمياء البلازما لاستخراج الكربون من غازات مثل الميثان، وهو من الغازات الدفيئة التي تتكون من الكربون والهيدروجين، كنواتج عرضية لصناعة النفط والغاز.
تُعد دولة الإمارات العربية المتحدة واحدة من أكبر منتجي النفط على مستوى العالم، ويأتي حوالي 30٪ من الناتج المحلي الإجمالي للدولة من الهيدروكربونات. ولكن، تحرص البلاد على تنويع اقتصادها وتسعى للوصول إلى مستوى صفر من الانبعاثات بحلول عام 2050.
وتعاون مركز “RIC2D” مع شركة “Levidian” الناشئة في المملكة المتحدة التي طورت عملية كيمياء البلازما الخاصة بها لاستخراج الكربون من الميثان.
وقال جيمس بيكر، الرئيس التنفيذي لـ”Graphene@Manchester”، وهو مركز ابتكار الغرافين في جامعة مانشستر، الذي عقد شراكة مع جامعة خليفة من أجل إنشاء مختبر “RIC2D” في عام 2022، إنّه “من خلال الاستفادة من سلسلة التوريد في دولة الإمارات، هناك فرصة كبيرة لتسريع اعتماد الغرافين لدعم تغير المناخ”.
وأضاف بيكر أنّ أي مادة تعتمد على الكربون، ضمنًا النفايات الناتجة عن صناعة النفط والغاز، أو المنتجات البترولية مثل إطارات السيارات، يمكن “إعادة تدويرها أو إعادة استخدامها بشكل فعال” لإنتاج الغرافين المُصنّع كيميائيًا. ولفت إلى أنّ “هناك اهتمام كبير في دولة الإمارات بسلسلة التوريد لإنتاج الغرافين، ونحن نعمل على زيادة إنتاج هذه المادة من الغرام والكيلوغرام، وصولًا إلى الأطنان”.
وأشار بيكر إلى أن ثمة فائدة إضافية لإنتاج الغرافين من غاز مثل الميثان، حيث يمكن استخدام الهيدروجين المستخرج كوقود. وأضاف أنه يمكن أيضًا استخدام المواد المركبة من الغرافين لتخزين الهيدروجين في أوعية ضغط أقوى.
وتابع بيكر: “لا نزيل الكربون من النفايات فحسب، بل نستخدمها أيضًا، عوض رميها في مكب النفايات أو حرقها فيه”.
وخلص عرفات إلى أنه “كلما كانت الفكرة جديدة ورائدة ومغيّرة للحياة، كلما كان الطريق أطول نحو تسويقها النهائي”.
وأعرب عن أمله بأن يكون لبحثه أثر في دولة الإمارات وخارجها، قائلًا: “بينما نبدأ محليًا، فإننا بالتأكيد نفكر عالميًا”.